Monday, March 12, 2007

مخنوقين فى اوتوبيس نقل عام




كان صباحا كئيبا و قاسيا
والفجر كان خير معبر عن الصباح الذى يتبعه
لم يكن يختلف كثيرا عن العديد من الأيام السيئة التي نعيشها فى بلد منهكة
فمع بداية كل يوم يدخل المصريون نفقا مظلما
مكتظا بالأنفاس المتلاحقة المتتابعة وكأنها فى سباق .. وسط حالة من المشاحنات المستمرة والقيل والقال والضرب فى الفاضى والمليان
و ينتهي اليوم ويعلن المصري نهاية يوم جديد
فى سجل حافل بالإحداث القاسية
ليضيف نقطة جديدة فى قاموس المعاناة التي يعايشها جسده الهزيل
لكن هذا اليوم كان مختلفا فى كل شئ عن اى يوم مر بي
وكأني أدركت فجأة أن الأمور أصبحت لا تطاق
*******************
فقد تتأثر حين يحكى لك احدهم عن معاناته فى بلادنا
ولكن يتضاعف هذا الإحساس حين تتعرض أنت
شخصيا لصورة من صور هذه المعاناة
******************
كان يوما مشحونا بالآمال لان أنجز اعمالى بشكل أفضل
استيقظت مبكرا ..ارتديت ملابسي وانطلقت فى طريقي المعتاد
الذى يشهد العديد من المفارقات التعيسة والسعيدة على السواء
كان اليوم الذى سيفتتح فيه الرئيس أسبوع شباب الجامعات بالمنوفية
ومن سوء حظي أنى أسير على الطريق المقابل للطريق الذى سيسير عليه سيادته فى اليوم المبارك
لم اندهش من النظافة غير المعتادة التي وجدتها على الطريق
ولم اكترث للورود والشعارات المرحبة بالرئيس على طول الطريق ..
وذلك ليس فقط لانى اعتدت على مثل هذا الحالة عند زيارة مسئول كبير للمنطقة
فما بالكم بالرئيس
ولكن لانى كنت فى هم خاص جدا شاركني إياه أكثر من 50 مصري
لم نجد عربات تقلنا إلى أعمالنا لان الجميع
كان يخشى من المرور من طريق الريس ..
ولم نجد إلا أتوبيس الحكومة..
هل تعرفونه .. الصندوق الكبير السائر على أربع ..
الأبيض فى الأحمر ..
وكأنه الوحيد الذى كان على ثقة من أن إدارة المرور
لن تعترض عليه
حتى لو كان لا يحمل اى مؤهلات الأمان
ليستقله البني ادمين
ولن أتطرق إلى وصف مثل هذه الجرارات لأننا جميعا على دراية بها
المهم أنى ركبت الأتوبيس مضطرة
وسرعان ما أدركت أنى ارتكبت اكبر أخطاء حياتي
زحام .. تلاصق تام بين الأجساد....
كراهية غير مبررة بين الركاب ..
ضيق فى الأنفاس .. عصبية .. شتائم متواصلة ..
****************
انتابني إحساس طاغ بالرغبة فى النزول ولكن كان السهم قد نفذ
طريقي من المعتاد ان يأخذ نصف ساعة فى أحلك الظروف وازحمها
ولان اليوم مختلف أخذت الطريق فى أكثر من ساعتين ونصف
المشكلة ليست فى أنى تأخرت عن عملي وفقدت الأمل فى اللحاق به
لكنهاكانت فى العذاب الذى لاقيته فى الأتوبيس
ولنبدأ من الكراسي التى كان معظمها غير لائق للاستخدام الادمى
فمعظم الركاب كانوا وقوفا
الكمسري كان يطلق شتائمه على كل من يعطيه فلوس فكة
السائق يسب كل من حوله فى الطريق ويتعمد ألا يقف فى محطاته
وكل ما كان يردده " مش ناقصة بنى ادمين
عرفتوا الباقي طبعا "....
الركاب انقسموا إلى قسمين الأول جالس على كراسي متهالكة
سارح فى ملكوته كل 3 ثواني ينظر فى الساعة
ويتحسر على اليوم اللي راح
القسم الثاني وكان الأكثر عذابا و أنا منهم وهم الواقفين
كأننا عرائس تتمايل مع انحرافات الأتوبيس
نستند على بعضنا البعض فى كراهية عجيبة
العرق يتصبب من جبيننا
والألم يخنق أرجلنا التي ملت الوقوف
وبعد ساعتين ونصف هل تعتقدون أننا وصلنا
لا حتى الوصول كان بعيد المنال
ووصلت المعانة إلى ذروتها عند النزول
وكان اندفاع فوضوي يحمل قدرا لا بأس به من القوة
أجساد تتكتل فوق بعضها
كل منها يرغب فى النزول أولا ..1
وانتهت المسابقة بكسر رجل إحدى السيدات من شدة الاندفاع
بمجرد أن نجحت فى النزول تملكتني رغبة شديدة فى البكاء
أبكى حالي وحال كل من يعانوا معاناتي يوميا
ألهذا الحد لدينا قدرة على الصمود ..؟
ومن أين نأتي بهذا الكم غير المحدود من الصبر ..؟
ولماذا نعانى كل هذه المعاناة لمجرد لأن مسئول قادم حتى لو كان الرئيس ..؟
ما الجريمة التي ارتكبناها كي نلاقى كل هذا الذل والعذاب؟